ولتحقيق ذلك، فإننا نبدأ دائماً بالاستماع إلى المكان، مما يحقق دمج المشروع بسلاسة مع نسيج الواحة.
 

تعد واحة العلا نسيجاً أخضر غنياً ومعقداً. تمتد بجانبي الوادي وفي قاع وادي العلا، وتتناثر بساتين النخيل على طولها. بعض المناطق كثيفة الأشجار مزروعة في مجموعات، بينما تتوزع الأشجار في مناطق أخرى في صفوف منتظمة ومتباعدة. وتعكس تنوع أنماط الزراعة الطابع التاريخي لهذا المشهد الطبيعي، الذي يجمع بين البساتين القديمة وأساليب الزراعة الحديثة. تتعايش أنواع مختلفة من النباتات على هذه الأرض، حيث توفر ظلال أشجار النخيل حمايةً لبساتين الفاكهة والمحاصيل المنخفضة من أشعة الشمس. من الحمضيات والرمان إلى التين والزيتون، لكل عنصر دوره في تظليل وحماية بنيته.

ينظم المشهد الطبيعي جدران تاريخية طينية تحددها المناطق الزراعية. وكانت شبكة الأسواق الكثيفة، التي هُدم أجزاء منها، تربط بلدة العلا القديمة بالمزارع وحدائقها: وتشكل آثار هذه الجدران العتيقة الصدى الذي ينسج عليه هذا الغطاء النباتي. لذا فإن نسيج هذا المشهد يدمج بين العناصر الطبيعية والإنشائية من صنع الإنسان: نسيج ذو أنماط وكثافات متنوعة، يتطور في العمق ويمتد عبر الزمن، ليشكل تطريزاً معقداً وثميناً.

منهجيتنا تهدف إلى احترام هذه البنية والعمل في إطار تعقيدها، لتعزيز نسيجها الطبيعي والمعماري.

وإدراكاً منا للمسؤولية الكبيرة التي ترافق التصميم في سياق كهذا، فقد أخذنا على عاتقنا حماية الإرث المادي واللامادي لهذا المكان. هدفنا ألا تتحول بقايا الماضي إلى شواهد جامدة للتاريخ، بل أن يتم إعادتها في تفاعل حي مع الحاضر. يهدف تصميم مشروع "حرم الواحة الزراعي" إلى التفاعل مع آثار العلا التاريخية؛ فهو يستلهم الأشكال والمواد والممارسات من الماضي، في الوقت الذي يقدم ابتكارات معمارية وزراعية مستدامة، تضع معياراً جديداً وتتطلع نحو المستقبل.

ولتحقيق ذلك، فإننا نبدأ دائماً بالاستماع إلى المكان. أي بفهم النسيج الريفي والحضري، وتطوير حلول تصميم دقيقة لكل جانب وتوظيفه بالمناطق المناسبة، مما يحقق دمج المشروع بسلاسة مع نسيج الواحة.

وهكذا، ستدمج المباني مع المشهد الطبيعي، وستتبع حركة الانتقال بينها، كما أن النسيج التاريخي للأسواق التقليدية الأراضي الزراعية يضمن الحفاظ عليها، ويصون مقياس الزراعة الذي تتميز به المنطقة. وسيعاد تنشيط المنطقة بأكملها، ليس فقط من خلال المباني، بل أيضاً عبر سلسلة من النقاط العامة التي تربط بين كل فضاءات الحرم، حيث تتفاعل مع الهياكل التاريخية الموجودة، لتجددها دون أن تمس حمايتها.

تشكيل أساس المكان من الناس. الاستماع إلى قصصهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم هو الخطوة الأولى في أي عملية تصميم. في "كيري آركيتيكتشر" نحرص دائماً على إشراك المجتمع في عملية تصميم تفاعلية، لنصمم مع الناس ومن أجلهم، بحيث يكون لهم دور فعّال وانتماء لهذه المساحات. وقد بدأنا حواراً مبكراً مع سكان الواحة ومدينة العلا المركزية، إيماناً منا بأن هذا النهج المجتمعي يمكننا من تطوير مشاريع مستدامة اجتماعياً، تندمج في السياق برفق، وتضع الإنسان في قلب المشروع.

الاستماع إلى المكان يتطلب أيضاً التفاعل مع جميع جوانب ممارسات البناء المحلية من الموارد المحلية إلى تقنيات البناء التقليدية وفهماً عميقاً للمعرفة الثقافية المتجذرة في الأرض، لتقديم حلول تصميمية أصيلة في سياقها.


واحة العُُلا نسيج حي، ينسج البساتين القديمة مع أساليب الزراعة الحديثة وإيقاعات الطبيعة.
 

مدينة العلا القديمة مليئة بالرؤى الملهمة. مبانيها التقليدية مشيدة في الغالب من الطوب الطيني المجفف بالشمس، والجص الطيني، والحجارة المحلية، والأخشاب، وسعف النخيل. كل شيء فيها مبني وفقاً لاستراتيجيات التصميم، أي في إطار معماري تفاعلي مع الطبيعة، باستخدام الطين والمواد المحلية، وبتصميم منسجم مع الطبيعة.

البناء بالطين تقنية عريقة، تشكل جوهر العمارة التقليدية في السعودية. وفي "كيري آركيتيكتشر" عملنا لعقود على تطوير هذه التقنية، لا سيما في غرب إفريقيا. وفي كثير من الأحيان، أعدنا إدخال هذه الطريقة المستدامة بطبيعتها إلى أماكن كانت قد تخلت عنها لصالح مواد "حديثة" لكنها أكثر ضرراً على البيئة. ليس الهدف العودة إلى تقنيات قديمة، بل إعادة تفسيرها بما يتناسب مع الاستخدامات المعاصرة، لإظهار أن الطين هو مادة تنتمي إلى المستقبل، أكثر بكثير من غيرها.


فيما يخص الحرم الزراعي في واحة العلا، نستمد الإلهام من الدروس القيمة للماضي لتطوير حلول تتناسب مع احتياجات وتحديات الحاضر. نقوم حالياً بدراسة تقنيات بناء مختلفة باستخدام الطين، بحيث تكون كل تقنية مصممة خصيصاً لتناسب الموقع الذي ستستخدم فيه. وسيؤدي ذلك إلى تنوع في المظهر واللون والإحساس: من الملمس الخام الطبيعي إلى التشطيبات المعالجة بعناية، لنخلق رحلة بصرية وحسية تتناغم مع الآثار التاريخية الثمينة الموجودة في نسيج العلا المعماري.