من أمتع جوانب التدريس في برنامج "التدريب العلمي للتصميم والحِرَف" الذي تقدمه مدرسة مؤسسة الملك للفنون التقليدية (KFSTA) في مدرسة الديرة بالعلا، هو تعليم الطلاب كيفية جمع الأصباغ الخام من الألوان الطبيعية الموجودة في صحراء العلا وجبال وواحاتها المحيطة. على مدار السنوات الماضية، تشرفت بأن أكون جزءاً من فريق يعمل على نقل المعرفة والخبرة في الأساليب التقليدية لصناعة الألوان الطبيعية وفنون وتقنيات الرسم.
تحت إشراف أحد أبرز باحثي الأصباغ في KFSTA، الفنان والمعلم الدكتور ديفيد كرانسويك، تعلّم الطلاب والطاقم التدريسي كيفية قراءة تضاريس العلا والتعرف على مواقع الألوان الطبيعية، والتي غالباً ما تكون مخفية عند قواعد الصخور الكبيرة المتساقطة من منحدرات الجبال، حيث تكشف عن الألوان الترابية المتواجدة في شقوق الصخور. وقد جُمعت هذه المعارف والخبرات التي اكتسبناها خلال سنوات البحث والتعليم والاستكشاف الإبداعي، في كتاب جديد وملهم بعنوان: ألوان العلا: صبغات من الصحراء، الذي أطلقته KFSTA بالشراكة مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا (RCU) في عام 2025.
كما يكتب الجيولوجي يان فريدمان في الكتاب:
"تهيمن الهضاب المسطحة الضخمة وسط العلا، وهي من أقدم الصخور الرسوبية في المنطقة... وتعرف باسم صخور السيق الرملية، وتمتاز بلونها الأحمر الداكن مقارنة بأي صخور أخرى في العلا، وذلك لاحتوائها على كميات كبيرة من حبيبات الحديد التي تحيط بكل حبة رمل. وعندما يتعرض الحديد للهواء أو الماء، يتأكسد وينتج اللون الأحمر.
تتجاوز التجربة التعليمية المتكاملة في مدرسة الديرة حدود الفصول الدراسية، حيث تمتد إلى استوديو التصميم والإنتاج، حيث نقوم بتعليم الطلاب المحليين كيفية تحويل هذه الصخور المعدنية إلى ألوان طلاء يدوية عالية الجودة وفق طرق تقليدية قديمة. وقد تم تبسيط هذا المسار وتوثيقه في كتاب ألوان العلا، حيث يبدأ بطحن الصخور وغسلها، ثم فصل ألوانها إلى جزيئات دقيقة يمكن استخدامها في صناعة الطلاء.
ومن هنا، تبدأ عملية الرسم من الأرض ذاتها؛ إنه تحول شاعري يحول الصخور إلى لوحات مضيئة. وهذا ما يتوافق مع جوهر مبادئ برنامجنا، كما يشير الدكتور كرانسويك في الكتاب:
يشير الدكتور كرانسويك في الكتاب:
"العملية الإبداعية هي رحلة تحلل المواد الخام من الطبيعة – الصخور، النباتات، العظام – إلى حالة من العلاقة العميقة. إنها شكل من أشكال التلاقي بين الفنان والمواد الفيزيائية والشكل، يكشف عنها من خلال حالة من الوحدة. ومن خلال المهارات الحرفية الظاهرة، يمكن للإنسان أن يحقق حالة داخلية من التناغم. وبالتالي، فإن الحِرَف تعد بوابة نحو حالة داخلية من الوجود، هذا الوجود يسكن القلب، وهو مركز لكل أساس. لا يوجد في أي مكان، لكنه في كل مكان."
منذ عام 2018، كان الدكتور كرانسويك معلماً زائراً في برنامج KFSTA بالعلا، وفي عام 2023، انضم إلى برنامج الإقامة الفنية بهدف توثيق وتطوير الوصفات اللونية التي عمل عليها فريقنا على مدى خمس سنوات. وقد عمل بشكل وثيق مع حرفيي استوديو التصميم والإنتاج، وشكلت هذه التجربة الإبداعية مصدر الإلهام الرئيسي للكتاب.
وأثمر هذا البحث كذلك عن إطلاق مسار تخصصي جديد داخل الاستوديو تحت عنوان: الصبغات والرسم، يركز على إعداد واستخدام الألوان المستخلصة من الأصباغ الطبيعية. وقد توليت بنفسي الإشراف على هذا المسار، من خلال تدريب الطلاب على تقنيات وأساليب الرسم التي تجمع بين فنون التصوير الدقيق (المينياتور)، والتذهيب، واستكشاف الزخارف والنماذج البصرية.
وقد أنجز الطلاب سلسلة من اللوحات، ونحن فخورون بالقول إنهم على وشك تأسيس أسلوبهم الفني الخاص بالعلا.
البحث: الخطوة التالية
طرحت في الكتاب تساؤلاً عمّا إذا كانت المقابر في الحِجْر (مدائن صالح) كانت ملوّنة، خاصة بعد العثور على دليل لوجود طبقة جصية، والتي تعد القاعدة التقليدية للرسم الجداري والزخرفي. ومنذ نشر الكتاب، يسعدنا الإعلان أن هذا التساؤل قد تأكدت صحته؛ فقد عثر الفريق الأثري في الحِجْر بقيادة الدكتورة روت باليستيروس كاريون (مديرة الحفاظ على التراث الثقافي) على أدلة ملموسة على وجود مقابر ملوّنة – من الداخل والخارج.
هذا الاكتشاف يضيف بعداً جديداً للسجل التاريخي والأثري، ونأمل أن يحظى بالمزيد من التعاون مع الدكتورة روت وفريقها.
تعتمد منهجية البحث التي طورتها KFSTA على الدمج بين الجدية الأكاديمية والمهارات الحرفية التقليدية، بهدف فهم شامل للمعارف المادية وغير المادية التي لطالما بقيت خارج الإطار الرسمي للتعليم. ما يتم تحقيقه اليوم في مدرسة الديرة وبرنامج KFSTA – والذي يمثل كتاب ألوان العلا مجرد إحدى ثماره – يمكننا من إيصال هذه المعارف التراثية إلى الجيل الجديد من المصممين والحرفيين.
وقد تم توثيق هذا الجهد الجماعي في كتاب ألوان العلا: أصباغ الصحراء. المتوفر الآن عبر موقع مدرسة الديرة الإلكتروني وفي متجرها، وكذلك عبر منصتي أمازون وهايغروف.
الدكتور ديسموند لازارو
فنان ومدير أول لبرامج مدرسة مؤسسة الملك للفنون التقليدية – مدرسة الديرة